25 ايلول/سبتمبر 2012
البيت الأبيض
مكتب السكرتير الصحفي
25 أيلول/سبتمبر 2012
خطاب الرئيس باراك أوباما
أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
مقر الأمم المتحدة
مدينة نيويورك، ولاية نيويورك
الساعة 10:22 صباحًا حسب توقيت شرق الولايات المتحدة
الرئيس أوباما: السيد الرئيس، السيد الأمين العام، زملائي المندوبين، السيدات والسادة: أود أن أبدأ اليوم بإخباركم عن أميركي يُدعى كريس ستيفنز.
ولد كريس في مدينة تسمى غراس فالي، بولاية كاليفورنيا، وهو ابن محامٍ وموسيقية. عندما كان شابًا انضم كريس إلى فيلق السلام، ودرّس اللغة الإنجليزية في المغرب. وصار يحب ويحترم شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وكان من المقدر له أن يحمل معه ذلك الالتزام طوال حياته. وكدبلوماسي، عمل من مصر إلى سوريا، ومن المملكة العربية السعودية إلى ليبيا. وكان معروفًا بحبه للتجول مشيًا في شوارع المدن حيث كان يعمل - يتذوق الأطعمة المحلية، ويقابل أكبر عدد من الناس يمكنه مقابلتهم، ويتحدث باللعة العربية، ويستمع وعلى وجهه ابتسامة عريضة.
توجه كريس إلى بنغازي في الأيام الأولى للثورة الليبية، وصل إليها على متن سفينة شحن. وكممثل لأميركا، ساعد أفراد الشعب الليبي وهم يتعاملون مع النزاع العنيف، فاعتنى بالجرحى، وصاغ رؤية لمستقبل يتم فيه احترام حقوق جميع الليبيين. وبعد الثورة، دعم ميلاد الديمقراطية الجديدة، فيما كان الليبيون يُجرون الانتخابات، ويبنون مؤسسات جديدة، ويبدأون بالتحرك قُدمًا بعد عقود طويلة من الحكم الدكتاتوري.
أحب كريس ستيفنز عمله واعتزّ بالبلد الذي يخدمه، وشهد الكرامة في الذين قابلهم. وقبل أسبوعين، انتقل إلى بنغازي لمراجعة خطط إنشاء مركز ثقافي جديد وتحديث أحد المستشفيات. وهناك تعرض المجمع الأميركي للهجوم. وسوية مع ثلاثة من زملائه، قُتل كريس في المدينة التي ساعد على إنقاذها. كان عمره 52 سنة.
إنني أسرد لكم هذه القصة لأن كريس جسّد أفضل ما في أميركا. وتمامًا كما فعل زملاؤه في السلك الدبلوماسي بنى جسورًا عبر المحيطات والثقافات، وكان منخرطًا بعمق في نطاق التعاون الدولي الذي تمثله الأمم المتحدة. تصرّف بتواضع، ولكنه أيضًا دافع بقوة عن مجموعة من المبادئ – والإيمان أن بإمكان الأفراد أن يكونوا أحرارًا في تقرير مصيرهم الخاص، والعيش بحرية، وكرامة، وعدالة، وإتاحة الفرص.
كانت الهجمات على المدنيين الأميركيين في بنغازي هجمات على أميركا. ونحن نكنّ الامتنان للمساعدة التي تلقيناها من الحكومة الليبية ومن الشعب الليبي. لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في أننا لن نألو جهدًا في تعقب القتلة وتقديمهم للعدالة. كما أقدر أيضًا أن في الأيام الأخيرة، اتخذ القادة في بلدان أخرى في المنطقة – من بينها مصر، وتونس، واليمن – خطوات حاسمة لتأمين سلامة منشآتنا الدبلوماسية، ودعوا إلى الهدوء. وكذلك فعلت السلطات الدينية في جميع أنحاء العالم.
ولكن أرجوكم أن تدركوا، أن الهجمات التي نُفذت خلال الأسبوعين الماضيين ليست مجرد اعتداء على أميركا. إنما هي أيضًا اعتداء على المثل العليا نفسها التي تأسست عليها الأمم المتحدة – أي تلك الفكرة أن باستطاعة الناس حل خلافاتهم سلميًا، وأن باستطاعة الدبلوماسية أن تحل محل الحرب، وأنه في عالم مترابط كهذا، لدينا جميعًا مصلحة في العمل في سبيل توفير فرص وأمن أكثر لمواطنينا.
فإذا كنا جادين بشأن المحافظة على هذه المثل، فلن يكون كافيًا مجرد وضع المزيد من الحراس أمام سفارة، أو إصدار بيانات الأسف، وانتظار انحسار موجة الغضب. إذا كنا جادين بشأن هذه المثل العليا، علينا أن نتكلم بصدق عن الأسباب العميقة لهذه الأزمة- لأننا نواجه خيارًا بين القوى التي من شأنها أن تدفعنا للانفصال عن بعضنا البعض، وبين الآمال التي نتشارك فيها سوية.
واليوم، يتعين علينا إعادة التأكيد على أن مستقبلنا سوف يحدده أناس مثل كريس ستيفنز- ولا يحدده قتلته. واليوم، علينا أن نعلن بصوت عالٍ أن هذا العنف والتعصب لا مكان لهما بين أممنا المتحدة.
لقد مر أقل من سنتين على إضرام بائع متجول في تونس النار في نفسه احتجاجًا على الفساد الظالم في بلاده، فأشعل ما أصبح يعرف باسم الربيع العربي. ومنذ ذلك الحين، بات العالم مفتونًا بالتحولات التي حدثت، ودعمت الولايات المتحدة قوى التغيير.
لقد ألهمتنا الاحتجاجات التونسية التي أطاحت بأحد الطغاة، لأننا أدركنا أن معتقداتنا تماثل طموحات الرجال والنساء الذين خرجوا إلى الشوارع.
وأصررنا على التغيير في مصر، لأن دعمنا للديمقراطية وضعنا في نهاية المطاف إلى جانب الشعب.
ودعمنا عملية انتقال القيادة في اليمن، لأن الوضع القائم الفاسد لم يعد يخدم مصالح الشعب.
كما تدخلنا في ليبيا إلى جانب تحالف واسع النطاق، وبتفويض من مجلس الأمن الدولي، لأننا كنا نملك القدرة على وقف ذبح الأبرياء، وانطلاقا من إيماننا بأن تطلعات الشعب كانت أقوى من أي طاغية.
وبينما نجتمع هنا الآن، نعلن مجددًا أن نظام بشار الأسد يجب أن ينتهي لكي يتسنى وقف معاناة الشعب السوري وكي يبزغ فجر جديد في سوريا.
لقد اتخذنا هذه المواقف لأننا نؤمن بأن الحرية وتقرير المصير لا يقتصران على ثقافة واحدة. وهذه ليست مجرد قيم أميركية أو قيم غربية - إنها قيم عالمية. وحتى مع احتمال حدوث تحديات ضخمة تأتي مع التحول إلى الديمقراطية، فإنني على اقتناع بأنه في نهاية المطاف فإن حكومة الشعب، والتي اختارها الشعب، ومن أجل الشعب سوف يكون من الأكثر احتمالا لها أن تحقق الاستقرار، والازدهار، والفرص الفردية التي تصلح كأساس لتحقيق السلام في عالمنا.
وهكذا، دعونا نتذكر أن هذا هو موسم للتقدم. فللمرة الأولى منذ عقود، صوت التونسيون، والمصريون، والليبيون لقادة جدد في انتخابات كانت ذات مصداقية، وتنافسية، ونزيهة. ولم تقتصر هذه الروح الديمقراطية على العالم العربي. فخلال العام الماضي، شهدنا عمليات انتقال سلمية للسلطة في ملاوي والسنغال، وانتخاب رئيس جديد في الصومال. وفي بورما، أطلق الرئيس سراح سجناء سياسيين وفتح مجتمعًا كان مغلقًا، وتم انتخاب منشقة شجاعة لعضوية البرلمان، وبات الناس يتطلعون قُدمًا للمزيد من الإصلاحات. وفي جميع أنحاء العالم، أصبح الناس يُسمعون أصواتهم، ويصرّون على كرامتهم المتأصلة، وعلى حقهم في تقرير مستقبلهم.
ومع ذلك تذكرنا الاضطرابات التي حصلت في الأسابيع الأخيرة بأن المسار إلى الديمقراطية لا ينتهي بطرح صوت في صندوق الاقتراع. قال نيلسون مانديلا ذات مرة: " أن يكون الإنسان حرًا لا يعني مجرد تحرره من الأغلال التي تقيده، بل أن يعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين". [تصفيق].
تتطلب الديمقراطية الحقيقية عدم الزج بالمواطنين في السجن بسبب ما يؤمنون به، والتمكن من إنشاء شركات أعمال تجارية دون دفع رشوة. تعتمد الديمقراطية على حرية المواطنين في التعبير عن أفكارهم والتجمع دون خوف، وعلى سيادة القانون والإجراءات القانونية الصحيحة التي تضمن حقوق جميع الناس.
وبعبارات أخرى، فإن الديمقراطية الحقيقية - الحرية الحقيقية - هي عمل شاق. يتعين على من هم في السلطة مقاومة إغراء اتخاذ إجراءات صارمة ضد معارضي الرأي. ففي الأوقات الاقتصادية الصعبة، من المرجح إغراء البلدان- من الممكن إغراء البلدان بحشد الناس حول أعداء معروفين في الوطن وفي الخارج، بدلا من التركيز على العمل المضني لتحقيق الإصلاح.
وعلاوة على ذلك، سوف يكون هناك دائمًا من يرفض التقدم الإنساني – حكام طغاة يتشبثون بالسلطة، ومصالح فاسدة تعتمد على استمرار الوضع القائم، ومتطرفون يؤججون نيران الكراهية والانقسام. لقد شاهدنا ذلك بدءًا من أيرلندا الشمالية إلى جنوب آسيا، ومن أفريقيا إلى الأميركتين، ومن البلقان إلى حوض المحيط الهادئ، لقد شهدنا الاضطرابات التي يمكن أن ترافق الانتقال إلى نظام سياسي جديد.
وفي بعض الأوقات، تنشأ النزاعات على طول خطوط التصدع للعرقية أو القبلية، وكثيرًا ما تنشأ عن الصعوبات في التوفيق بين التقاليد والعقيدة نظرًا للتنوع والتكامل المتبادل في العالم المعاصر. في كل بلد، هناك أولئك الذين يجدون تهديدًا من المعتقدات الدينية المختلفة، وفي كل ثقافة، ينبغي على محبي الحرية أنفسهم أن يسألوا عن مدى استعدادهم للتسامح تجاه حرية الآخرين.
هذا هو ما رأيناه يجري على قدم وساق خلال الأسبوعين الأخيرين، بسبب شريط فيديو فجّ ومثير للاشمئزاز أثار الغضب في جميع أنحاء العالم الإسلامي. والآن لقد أوضحت تمامًا أن حكومة الولايات المتحدة لا علاقة لها على الإطلاق بهذا الفيديو، وأعتقد أنه ينبغي على جميع الذين يحترمون إنسانيتنا المشتركة رفض رسالته.
إنه فيلم مهين ليس للمسلمين فحسب، إنما لأميركا أيضًا - لأنه كما توضحه هذه المدينة خارج هذه الجدران، نحن بلد يرحب بالناس من كل عرق ومن كل دين. نحن نشكل موطنًا للمسلمين الذين يمارسون عباداتهم عبر أرجاء بلدنا. نحن لا نحترم حرية الدين فحسب – إنما أيضًا لدينا قوانين تحمي الأفراد من التعرض للأذى بسبب مظهرهم أو بسبب ما يؤمنون به. إننا ندرك السبب الذي جعل الناس يشعرون بالإساءة من هذا الفيديو لأن الملايين من مواطنينا من بينهم.
إنني أعرف أن هناك بعض الذين يتساءلون لماذا لا يمكننا مجرد حظر عرض هذا الفيديو. الجواب على ذلك مكرس في قوانيننا: دستورنا يحمي الحق في ممارسة حرية التعبير.
هنا في الولايات المتحدة، هناك منشورات لا تعد ولا تحصى مثيرة للإساءة. وأنا مسيحي مثل غالبية الأميركيين، ومع ذلك، فإننا لا نحرم التجديف ضد أقدس معتقداتنا. وكرئيس لهذا البلد، وكقائد أعلى للقوات المسلحة، أقبل أن يقوم الناس بوصفي بأقبح التسميات في كل يوم (ضحك)- وسوف أدافع دائمًا عن حقهم في القيام بذلك. [تصفيق].
لقد حارب الأميركيون وضحوا بحياتهم في جميع أنحاء العالم لحماية حق جميع الناس في التعبير عن آرائهم، وحتى الآراء التي يختلفون بعمق حولها. لا نفعل ذلك لأننا ندعم خطاب الكراهية، بل لأن آباءنا المؤسسين أدركوا أنه من دون مثل هذه الحمايات، من الممكن تهديد قدرة كل فرد في التعبير عن آرائه الخاصة، وممارسة شعائره الدينية. نفعل ذلك لأنه في مجتمع متنوع، يمكن لجهود تبذل لتقييد حرية الكلام أن تتحول بسرعة إلى أداة لإسكات النقاد، واضطهاد الأقليات.
إننا نفعل ذلك لأنه نظرًا لقوة الإيمان في حياتنا، والمشاعر التي يمكن أن تثيرها الاختلافات الدينية، فإن السلاح الأقوى ضد خطاب الكراهية ليس بالكبت، إنما بالإكثار من التعبير – التعبير بأصوات التسامح التي تحشد صفوفها ضد التعصب والتكفير، وتُعلي قيم التفاهم والاحترام المتبادل.
والآن أدرك أنه ليس كل البلدان الممثلة في هذه الهيئة تتشارك في هذا المفهوم الخاص حول حماية حرية التعبير. إننا ندرك ذلك. ولكن في العام 2012، في وقت يستطيع فيه أي إنسان لديه هاتف محمول أن ينشر وجهات نظر عدائية حول العالم بنقرة زر واحدة، أصبحت فكرة أن بإمكاننا مراقبة تدفق المعلومات فكرة عفا عليها الزمن. والسؤال هنا، هو إذن، كيف يجب أن تكون ردة فعلنا على ذلك؟
حول هذا يتعين علينا الاتفاق: ليس هناك أي كلام يبرر العنف الغاشم (تصفيق). ليست هناك كلمات تبرر قتل الأبرياء. ليس هناك فيلم فيديو يبرر الهجوم على سفارة. وليس هناك افتراء يوفر ذريعة للناس لكي يحرقوا مطعمًا في لبنان، أو تدمير مدرسة في تونس، أو التسبب في الموت والدمار في باكستان.
في هذا العالم الحديث ومع وجود التقنيات الحديثة، فإن الرد بالنسبة لنا وفق تلك الطريقة على خطاب الكراهية سوف يمكّن أي شخص منخرط في مثل هذا الخطاب من خلق حالة من الفوضى في جميع أنحاء العالم، إننا نعطي قوة لأسوأ الناس بيننا إذا كانت هذه هي الطريقة التي سوف نرد بها.
وعلى نطاق أوسع، تخبرنا الأحداث الحاصلة خلال الأسبوعين الماضيين أيضًا عن ضرورة أن نقوم جميعًا بمعالجة التوترات بين الغرب والعالم العربي الذي يتحرك قُدمًا نحو الديمقراطية معالجة مخلصة.
والآن، اسمحوا لي بأن أكون واضحًا: تمامًا كما أنه لا يمكننا حل كل مشكلة في العالم، فلم ولن تسعى الولايات المتحدة إلى فرض نتائج عمليات التحول الديمقراطي في الخارج. ونحن لا نتوقع أن تتفق معنا الدول الأخرى حول كل مسألة، كما أننا لا نفترض أن العنف الذي حصل في الأسابيع الماضية، أو خطاب الكراهية الذي نطق به بعض الأفراد يمثل وجهات نظر الغالبية الساحقة من المسلمين، وبالمثل لا تمثل آراء الناس الذين أنتجوا هذا الفيديو آراء الأميركيين. ومع ذلك، أعتقد بالفعل أن من واجب جميع القادة في جميع البلدان أن يشجبوا علنًا وبشدة العنف والتطرف. (تصفيق)
قد حان الوقت لتهميش أولئك الذين يستخدمون كراهية أميركا، أو الغرب، أو إسرائيل، بمثابة مبدأ تنظيمي أساسي للسياسة- حتى عندما لا يلجأون مباشرة إلى العنف. لأن ذلك لا يفعل سوى أنه يمنح غطاءً، ويقدم في بعض الأحيان ذريعة لأولئك الذين يلجأون إلى العنف.
هذا النمط في السياسة – نمط يحرض الشرق ضد الغرب، والجنوب ضد الشمال، والمسلمين ضد المسيحيين، والهندوس، واليهود - لا يستطيع أن يحقق وعد الحرية. إنه لا يقدم للشباب إلا الأمل الكاذب. إن حرق العلم الأميركي لن يفعل شيئًا من أجل توفير التعليم لطفل ما. والتدمير الكامل لمطعم لا يملأ معدة فارغة. ومهاجمة سفارة لن يخلق وظيفة واحدة. هذا النمط من السياسات يجعل فقط من الصعوبة بمكان تحقيق ما يجب علينا القيام به معًا وهو: تعليم أطفالنا، وإيجاد الفرص التي يستحقونها، وحماية حقوق الإنسان، وتوسيع نطاق وعد الديمقراطية.
وليكن مفهومًا أن أميركا لن تنسحب أبدًا من العالم. سوف نقدم للعدالة أولئك الذين يلحقون الأذى بمواطنينا وأصدقائنا، وسوف نقف بثبات مع حلفائنا. وإننا على استعداد للدخول في شراكة مع البلدان حول العالم لتعميق الروابط التجارية والاستثمارية، وفي مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والطاقة والتنمية – جميع الجهود التي يمكن أن تشعل فتيل النمو الاقتصادي لجميع الشعوب وتؤمّن الاستقرار للتغيير الديمقراطي.
ولكن هذه الجهود تعتمد على روح المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل. ولن تكون أية حكومة، أو شركة، أو مدرسة، أو منظمة غير حكومية واثقة من العمل في بلد يتعرض شعبه للخطر. ولكي تكون الشراكات فعالة يجب أن يكون مواطنونا آمنين وأن يتم الترحيب بجهودنا.
إن السياسة التي لا ترتكز سوى على الغضب – المبنية على أساس تقسيم العالم بين "نحن" و "هم" – لا تعيد إلى الوراء التعاون الدولي وحسب، إنما هي أيضًا تقضي في نهاية المطاف على أولئك الذين يتسامحون تجاهها. لدينا جميعًا مصلحة في التصدي لهذه القوى.
دعونا نتذكر أن المسلمين هم أكثر من عانى على يد التطرف. ففي اليوم نفسه الذي قُتل فيه مدنيونا في بنغازي، جرى اغتيال ضابط شرطة تركي في إسطنبول قبل أيام قليلة من زفافه، وقتل أكثر من 10 يمنيين في حادث تفجير سيارة مفخخة في صنعاء، وكان العديد من الآباء ينتحبون على أطفالهم الأفغان بعد مقتلهم على يد مهاجم انتحاري في كابول.
إن الاندفاع تجاه عدم التسامح والتعصب والعنف قد يكون مركّزًا في البداية على الغرب، ولكن مع مرور الوقت لن يصبح من الممكن احتواؤه. إذ يتم استخدام الاندفاع نفسه تجاه التطرف لتبرير الحرب بين السنة والشيعة، وبين القبائل والعشائر. إن ذلك لا يقود إلى القوة ولا إلى الازدهار إنما إلى الفوضى. ففي أقل من عامين، شهدنا احتجاجات أغلبها سلمية حققت التغيير في بلدان ذات أغلبية مسلمة أكثر مما حققه عقد من العنف. ويدرك المتطرفون ذلك لأنهم لا يملكون أي شيء يقدمونه من أجل تحسين حياة الناس، فالعنف هو الطريق الوحيد للمحافظة على أهميتهم. إنهم لا يبنون، إنهم يدمرون فقط.
لقد حان الوقت للتخلي عن الدعوة إلى العنف وسياسات التفرقة. وفي كثير من القضايا المتعددة، إننا نواجه خيارًا بين وعد المستقبل، أو سجون الماضي. وإننا لا نقوى على تحمل ارتكاب الخطأ فيها. علينا اغتنام هذه اللحظة. وأميركا تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع جميع الذين هم على استعداد لاحتضان مستقبل أفضل.
ينبغي ألا يكون المستقبل ملكًا لأولئك الذين يستهدفون المسيحيين الأقباط في مصر - يجب أن يطالب بهذا المستقبل أولئك الذين هتفوا في ميدان التحرير، "مسلم ومسيحي، إيد واحدة." ينبغي ألا يعود المستقبل إلى أولئك الذين يتحرشون بالنساء - يجب أن تتم صياغته على يد الفتيات اللاتي يلتحقن بالمدارس والذين يناصرون وجود عالم تستطيع فيه بناتنا تحقيق أحلامهن تمامًا كأبنائنا. (تصفيق)
يجب ألا يكون المستقبل ملكًا لتلك الشرذمة الصغيرة من الفاسدين الذين يسرقون موارد أي بلد – إنما يجب أن يظفر به الطلاب، ورواد الأعمال، والعمال، وأصحاب شركات الأعمال التجارية الذين يسعون في سبيل تحقيق الازدهار للجميع. هؤلاء هم الرجال والنساء الذين تقف أميركا إلى جانبهم، ورؤيتهم هذه هي الرؤية التي سندعمها.
يجب ألا يكون المستقبل ملكًا لأولئك الذين تطاولوا على نبي الإسلام. ولكن لكي يكونوا جديرين بالثقة، يتوجب على الذين يستنكرون ذلك الافتراء أن يُدينوا أيضًا الكراهية التي نراها في صور يسوع المسيح التي دُنّست، أو الكنائس التي دمرت، أو المحرقة التي ينكرون حصولها. (تصفيق)
دعونا ندين التحريض ضد المسلمين الصوفيين وزوار العتبات المقدسة من الشيعة. لقد حان الوقت لاحترام كلمات غاندي: "التعصب هو في حد ذاته شكل من أشكال العنف وعقبة أمام نمو روح الديمقراطية الحقة". (تصفيق). وسوية ينبغي علينا أن نعمل من أجل إيجاد عالم تكون فيه اختلافاتنا مصدر قوة لنا، وليست أداة تحديد من نحن. هذا هو ما تجسده أميركا، وهذه هي الرؤية التي سوف ندعمها.
وبين الإسرائيليين والفلسطينيين ينبغي ألا يعود المستقبل لأولئك الذين يديرون ظهورهم لاحتمالات إحلال السلام. دعونا نترك خلفنا أولئك الذين ينتعشون على النزاعات، أولئك الذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود. الطريق صعب وعسير، ولكن المصير واضح – دولة يهودية آمنة ودولة فلسطينية مستقلة ومزدهرة. (تصفيق) نظرًا لإدراكها أن مثل هذا السلام يجب أن ينشأ من خلال اتفاق عادل بين الطرفين، فإن أميركا سوف تسير بجانب من هم على استعداد للقيام بتلك الرحلة.
وفي سوريا، يجب أن لا يكون المستقبل ملكًا لديكتاتور يرتكب المجازر بحق شعبه. فإذا كان هناك سبب يدعو للاحتجاج بصوت عالٍ في العالم اليوم، للاحتجاج السلمي، فإنه قضية هذا النظام الذي يعذب الأطفال ويطلق الصواريخ على المباني السكنية. ويجب علينا أن نبقى فاعلين لتأمين ما بدأ بمواطنين يطالبون بحقوقهم لن ينتهي بدوامة من العنف الطائفي.
ومعًا، يجب أن نقف مع أولئك السوريين الذين يؤمنون برؤية مختلفة - سوريا موحدة تحتضن الجميع، حيث لا يحتاج الأطفال إلى الخوف من حكومتهم، وحيث يكون لجميع السوريين رأي في الكيفية التي يُحكمون بها – السنة، والعلويين، والأكراد، والمسيحيين. هذا ما تمثله أميركا. هذه هي النتيجة التي سوف نعمل من أجلها- مع العقوبات والعواقب التي تترتب على أولئك الذين يضطهدون شعوبهم، ومع المساعدة والدعم لأولئك الذين يعملون للصالح العام. لأننا نعتقد أن السوريين الذين يتبنون هذه الرؤية سوف تكون لهم السلطة والشرعية لتولي زمام القيادة في البلاد.
وفي إيران، إننا نرى إلى أين يؤدي مسار العنف ومبدأ الإفلات من المساءلة. إن الشعب الإيراني له تاريخ رائع وعريق، والعديد من الإيرانيين يرغبون في التمتع بالسلام والازدهار جنبًا إلى جنب مع جيرانهم. ولكن بينما تقيّد الحكومة الإيرانية حقوق شعبها، تواصل تلك الحكومة دعم الديكتاتور في دمشق، وتدعم الجماعات الإرهابية في الخارج. ومرة تلو الأخرى، فشلت الحكومة في انتهاز الفرصة لإظهار أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، وفي الوفاء بالتزاماتها تجاه الأمم المتحدة.
اسمحوا لي بأن أكون واضحًا. إن أميركا ترغب في حل هذه القضية بالوسائل الدبلوماسية، ونحن نعتقد أنه لا يزال هناك متسع من الوقت ومجال للقيام بذلك. ولكن هذا الوقت ليس بلا حدود. نحن نحترم حق الدول في الحصول على الطاقة النووية السلمية، ولكن من بين أهداف الأمم المتحدة رؤية أننا نُسخّر تلك الطاقة من أجل السلام. ولا تظنوا أن إيران المسلحة نوويًا ستكون تحديًا يمكن احتواؤه، إنها سوف تهدد بالقضاء على إسرائيل، وتهدد أمن دول الخليج، واستقرار الاقتصاد العالمي. وستغامر بإثارة سباق تسلح نووي في المنطقة، وانهيار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. هذا هو السبب في قيام ائتلاف من الدول يُخضع الحكومة الإيرانية للمساءلة. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة سوف تفعل كل ما بوسعها لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
نحن نعرف من تجاربنا المؤلمة أن الطريق إلى الأمن والرخاء لا تكمن خارج حدود القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان. هذا هو السبب الذي نشأت من أجله هذه المؤسسة من تحت أنقاض النزاعات. وهذا هو سبب انتصار الحرية على الطغيان في الحرب الباردة. وهذا هو الدرس المستفاد من العقدين الماضيين أيضًا.
يُبين لنا التاريخ أن السلام والتقدم لا يتحققان إلا لأولئك الذين يتخذون الخيارات الصحيحة. فقد مرت الدول في جميع أجزاء العالم بهذا الطريق الصعب. أوروبا التي كانت ساحة لأكثر المعارك دموية في القرن العشرين، أصبحت موحدة، وحرة، وتعيش في سلام. من البرازيل إلى جنوب أفريقيا، ومن تركيا إلى كوريا الجنوبية، ومن الهند إلى إندونيسيا، قامت الشعوب من مختلف الأعراق والأديان والتقاليد بانتشال الملايين من هوة الفقر، بالترافق مع احترام حقوق المواطنين والوفاء بمسؤولياتها كدول.
وبسبب التقدم الذي شهدته خلال حياتي، والتقدم الذي شهدته خلال أربع سنوات تقريبًا كرئيس، لا يزال يحدوني الأمل بالنسبة للعالم الذي نعيش فيه. فالحرب في العراق قد وضعت أوزارها . وعادت القوات الأميركية إلى أرض الوطن. لقد بدأنا مرحلة انتقالية في أفغانستان، وسوف تنهي أميركا وحلفاؤنا حربنا في الموعد المحدد في العام 2014. وقد ضعف تنظيم القاعدة، ولم يعد أسامة بن لادن على قيد الحياة. واتحدت الدول معًا لتأمين سلامة المواد النووية، وأميركا وروسيا يخفضان ترسانتيهما. وقد شهدنا اتخاذ خيارات صعبة - من نايبيداو إلى القاهرة إلى أبيدجان - لوضع المزيد من السلطة في أيدي المواطنين.
وفي هذا الوقت من التحدي الاقتصادي، اجتمع العالم لتوسيع نطاق الازدهار. من خلال مجموعة الدول العشرين، أنشأنا شراكة مع البلدان الصاعدة للمحافظة على سير العالم في طريق الانتعاش الاقتصادي. واصلت أميركا أجندة التنمية التي سوف تغذي النمو وتكسر حلقة الاتكالية، وعمِلت مع الزعماء الأفارقة لأجل مساعدتهم في إطعام شعوبهم. وقد أُنشئت شراكات جديدة لمكافحة الفساد وتعزيز الحكومات المنفتحة والشفافة، وبُذلت التزامات جديدة من خلال الشراكة المستقبلية لضمان تمكين النساء والفتيات من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والسعي من أجل إيجاد الفرص. وفي وقت لاحق من هذا اليوم، سوف أناقش جهودنا لمكافحة آفة الاتجار بالبشر.
جميع هذه الأشياء تمنحني الأمل. ولكن ما يجعلني أكثر تفاؤلا ليس أعمالنا نحن، ليست تصرفات القادة - إنما الشعوب التي رأيتها. أفراد القوات الأميركية الذين خاطروا بحياتهم وضحوا بأطرافهم من أجل غرباء في النصف الآخر البعيد من العالم، والطلاب في جاكرتا أو سيول التواقون لاستخدام معارفهم لفائدة البشرية، والوجوه في ساحة في براغ أو في برلمان غانا الذين يرون الديمقراطية في إعطاء أصواتهم لأجل طموحاتهم، والشباب في أحياء ريو الفقيرة، وفي مدارس مومباي الذين تلمع عيونهم بالوعد القادم. هؤلاء الرجال والنساء والأطفال ومن كل عرق ومعتقد يذكرونني بأن مقابل كل غاضب تُعرض صورته على شاشة التلفزيون، هناك البلايين في مختلف أنحاء العالم لديهم آمال مشتركة وأحلام متشابهة. وهم يخبروننا بأن هناك نبضات قلوب إنسانية مشتركة.
يتحول الكثير من الاهتمام في عالمنا إلى ما يفرقنا. وهذا ما نراه في نشرات الأخبار. وهذا ما يستهلك مناقشاتنا السياسية. ولكن عندما نجرد كل ذلك، نرى الناس في كل مكان يتوقون للحرية من أجل تقرير مصيرهم وكرامتهم، تلك الكرامة التي تأتي من العمل، والراحة التي تأتي من الإيمان، والعدالة التي تتواجد عندما تقوم الحكومات بخدمة شعوبها - وليس العكس.
وستقف الولايات المتحدة الأميركية دائمًا إلى جانب هذه الطموحات، وإلى جانب شعبنا نفسه، وإلى جانب الشعوب في جميع أنحاء العالم. كان هذا هو الغرض من تأسيس بلدنا. وهذا ما يُظهره تاريخنا. وهذا ما عمل في سبيله كريس ستيفنز طوال حياته.
واليوم أتعهد لكم بهذا: بعد فترة طويلة من جلب هؤلاء القتلة إلى العدالة، سوف يبقى تراث كريس ستيفنز حيًّا في حياة الناس التي لامسها - في عشرات الآلاف الذين ساروا ضد العنف في شوارع بنغازي، وفي الليبيين الذين وضعوا على صفحاتهم على موقع فيسبوك صورة كريس بدلا من صورهم، وفي لافتات كتب عليها، ببساطة، "كريس ستيفنز كان صديقا لجميع الليبيين".
ينبغي أن يعطينا هؤلاء الأمل. ينبغي أن يذكرونا بأنه طالما نعمل من أجل العدالة، فإن العدالة سوف تأخذ مجراها، وبأن التاريخ يعمل لصالحنا، وبأن الموجة المتصاعدة من الحرية لن تعكس مسارها أبدًا.
وشكرًا جزيلا لكم. (تصفيق)
النهاية الساعة 10:16 صباحًا حسب توقيت شرق الولايات المتحدة.
مكتب السكرتير الصحفي
25 أيلول/سبتمبر 2012
خطاب الرئيس باراك أوباما
أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
مقر الأمم المتحدة
مدينة نيويورك، ولاية نيويورك
الساعة 10:22 صباحًا حسب توقيت شرق الولايات المتحدة
الرئيس أوباما: السيد الرئيس، السيد الأمين العام، زملائي المندوبين، السيدات والسادة: أود أن أبدأ اليوم بإخباركم عن أميركي يُدعى كريس ستيفنز.
ولد كريس في مدينة تسمى غراس فالي، بولاية كاليفورنيا، وهو ابن محامٍ وموسيقية. عندما كان شابًا انضم كريس إلى فيلق السلام، ودرّس اللغة الإنجليزية في المغرب. وصار يحب ويحترم شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وكان من المقدر له أن يحمل معه ذلك الالتزام طوال حياته. وكدبلوماسي، عمل من مصر إلى سوريا، ومن المملكة العربية السعودية إلى ليبيا. وكان معروفًا بحبه للتجول مشيًا في شوارع المدن حيث كان يعمل - يتذوق الأطعمة المحلية، ويقابل أكبر عدد من الناس يمكنه مقابلتهم، ويتحدث باللعة العربية، ويستمع وعلى وجهه ابتسامة عريضة.
توجه كريس إلى بنغازي في الأيام الأولى للثورة الليبية، وصل إليها على متن سفينة شحن. وكممثل لأميركا، ساعد أفراد الشعب الليبي وهم يتعاملون مع النزاع العنيف، فاعتنى بالجرحى، وصاغ رؤية لمستقبل يتم فيه احترام حقوق جميع الليبيين. وبعد الثورة، دعم ميلاد الديمقراطية الجديدة، فيما كان الليبيون يُجرون الانتخابات، ويبنون مؤسسات جديدة، ويبدأون بالتحرك قُدمًا بعد عقود طويلة من الحكم الدكتاتوري.
أحب كريس ستيفنز عمله واعتزّ بالبلد الذي يخدمه، وشهد الكرامة في الذين قابلهم. وقبل أسبوعين، انتقل إلى بنغازي لمراجعة خطط إنشاء مركز ثقافي جديد وتحديث أحد المستشفيات. وهناك تعرض المجمع الأميركي للهجوم. وسوية مع ثلاثة من زملائه، قُتل كريس في المدينة التي ساعد على إنقاذها. كان عمره 52 سنة.
إنني أسرد لكم هذه القصة لأن كريس جسّد أفضل ما في أميركا. وتمامًا كما فعل زملاؤه في السلك الدبلوماسي بنى جسورًا عبر المحيطات والثقافات، وكان منخرطًا بعمق في نطاق التعاون الدولي الذي تمثله الأمم المتحدة. تصرّف بتواضع، ولكنه أيضًا دافع بقوة عن مجموعة من المبادئ – والإيمان أن بإمكان الأفراد أن يكونوا أحرارًا في تقرير مصيرهم الخاص، والعيش بحرية، وكرامة، وعدالة، وإتاحة الفرص.
كانت الهجمات على المدنيين الأميركيين في بنغازي هجمات على أميركا. ونحن نكنّ الامتنان للمساعدة التي تلقيناها من الحكومة الليبية ومن الشعب الليبي. لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك في أننا لن نألو جهدًا في تعقب القتلة وتقديمهم للعدالة. كما أقدر أيضًا أن في الأيام الأخيرة، اتخذ القادة في بلدان أخرى في المنطقة – من بينها مصر، وتونس، واليمن – خطوات حاسمة لتأمين سلامة منشآتنا الدبلوماسية، ودعوا إلى الهدوء. وكذلك فعلت السلطات الدينية في جميع أنحاء العالم.
ولكن أرجوكم أن تدركوا، أن الهجمات التي نُفذت خلال الأسبوعين الماضيين ليست مجرد اعتداء على أميركا. إنما هي أيضًا اعتداء على المثل العليا نفسها التي تأسست عليها الأمم المتحدة – أي تلك الفكرة أن باستطاعة الناس حل خلافاتهم سلميًا، وأن باستطاعة الدبلوماسية أن تحل محل الحرب، وأنه في عالم مترابط كهذا، لدينا جميعًا مصلحة في العمل في سبيل توفير فرص وأمن أكثر لمواطنينا.
فإذا كنا جادين بشأن المحافظة على هذه المثل، فلن يكون كافيًا مجرد وضع المزيد من الحراس أمام سفارة، أو إصدار بيانات الأسف، وانتظار انحسار موجة الغضب. إذا كنا جادين بشأن هذه المثل العليا، علينا أن نتكلم بصدق عن الأسباب العميقة لهذه الأزمة- لأننا نواجه خيارًا بين القوى التي من شأنها أن تدفعنا للانفصال عن بعضنا البعض، وبين الآمال التي نتشارك فيها سوية.
واليوم، يتعين علينا إعادة التأكيد على أن مستقبلنا سوف يحدده أناس مثل كريس ستيفنز- ولا يحدده قتلته. واليوم، علينا أن نعلن بصوت عالٍ أن هذا العنف والتعصب لا مكان لهما بين أممنا المتحدة.
لقد مر أقل من سنتين على إضرام بائع متجول في تونس النار في نفسه احتجاجًا على الفساد الظالم في بلاده، فأشعل ما أصبح يعرف باسم الربيع العربي. ومنذ ذلك الحين، بات العالم مفتونًا بالتحولات التي حدثت، ودعمت الولايات المتحدة قوى التغيير.
لقد ألهمتنا الاحتجاجات التونسية التي أطاحت بأحد الطغاة، لأننا أدركنا أن معتقداتنا تماثل طموحات الرجال والنساء الذين خرجوا إلى الشوارع.
وأصررنا على التغيير في مصر، لأن دعمنا للديمقراطية وضعنا في نهاية المطاف إلى جانب الشعب.
ودعمنا عملية انتقال القيادة في اليمن، لأن الوضع القائم الفاسد لم يعد يخدم مصالح الشعب.
كما تدخلنا في ليبيا إلى جانب تحالف واسع النطاق، وبتفويض من مجلس الأمن الدولي، لأننا كنا نملك القدرة على وقف ذبح الأبرياء، وانطلاقا من إيماننا بأن تطلعات الشعب كانت أقوى من أي طاغية.
وبينما نجتمع هنا الآن، نعلن مجددًا أن نظام بشار الأسد يجب أن ينتهي لكي يتسنى وقف معاناة الشعب السوري وكي يبزغ فجر جديد في سوريا.
لقد اتخذنا هذه المواقف لأننا نؤمن بأن الحرية وتقرير المصير لا يقتصران على ثقافة واحدة. وهذه ليست مجرد قيم أميركية أو قيم غربية - إنها قيم عالمية. وحتى مع احتمال حدوث تحديات ضخمة تأتي مع التحول إلى الديمقراطية، فإنني على اقتناع بأنه في نهاية المطاف فإن حكومة الشعب، والتي اختارها الشعب، ومن أجل الشعب سوف يكون من الأكثر احتمالا لها أن تحقق الاستقرار، والازدهار، والفرص الفردية التي تصلح كأساس لتحقيق السلام في عالمنا.
وهكذا، دعونا نتذكر أن هذا هو موسم للتقدم. فللمرة الأولى منذ عقود، صوت التونسيون، والمصريون، والليبيون لقادة جدد في انتخابات كانت ذات مصداقية، وتنافسية، ونزيهة. ولم تقتصر هذه الروح الديمقراطية على العالم العربي. فخلال العام الماضي، شهدنا عمليات انتقال سلمية للسلطة في ملاوي والسنغال، وانتخاب رئيس جديد في الصومال. وفي بورما، أطلق الرئيس سراح سجناء سياسيين وفتح مجتمعًا كان مغلقًا، وتم انتخاب منشقة شجاعة لعضوية البرلمان، وبات الناس يتطلعون قُدمًا للمزيد من الإصلاحات. وفي جميع أنحاء العالم، أصبح الناس يُسمعون أصواتهم، ويصرّون على كرامتهم المتأصلة، وعلى حقهم في تقرير مستقبلهم.
ومع ذلك تذكرنا الاضطرابات التي حصلت في الأسابيع الأخيرة بأن المسار إلى الديمقراطية لا ينتهي بطرح صوت في صندوق الاقتراع. قال نيلسون مانديلا ذات مرة: " أن يكون الإنسان حرًا لا يعني مجرد تحرره من الأغلال التي تقيده، بل أن يعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين". [تصفيق].
تتطلب الديمقراطية الحقيقية عدم الزج بالمواطنين في السجن بسبب ما يؤمنون به، والتمكن من إنشاء شركات أعمال تجارية دون دفع رشوة. تعتمد الديمقراطية على حرية المواطنين في التعبير عن أفكارهم والتجمع دون خوف، وعلى سيادة القانون والإجراءات القانونية الصحيحة التي تضمن حقوق جميع الناس.
وبعبارات أخرى، فإن الديمقراطية الحقيقية - الحرية الحقيقية - هي عمل شاق. يتعين على من هم في السلطة مقاومة إغراء اتخاذ إجراءات صارمة ضد معارضي الرأي. ففي الأوقات الاقتصادية الصعبة، من المرجح إغراء البلدان- من الممكن إغراء البلدان بحشد الناس حول أعداء معروفين في الوطن وفي الخارج، بدلا من التركيز على العمل المضني لتحقيق الإصلاح.
وعلاوة على ذلك، سوف يكون هناك دائمًا من يرفض التقدم الإنساني – حكام طغاة يتشبثون بالسلطة، ومصالح فاسدة تعتمد على استمرار الوضع القائم، ومتطرفون يؤججون نيران الكراهية والانقسام. لقد شاهدنا ذلك بدءًا من أيرلندا الشمالية إلى جنوب آسيا، ومن أفريقيا إلى الأميركتين، ومن البلقان إلى حوض المحيط الهادئ، لقد شهدنا الاضطرابات التي يمكن أن ترافق الانتقال إلى نظام سياسي جديد.
وفي بعض الأوقات، تنشأ النزاعات على طول خطوط التصدع للعرقية أو القبلية، وكثيرًا ما تنشأ عن الصعوبات في التوفيق بين التقاليد والعقيدة نظرًا للتنوع والتكامل المتبادل في العالم المعاصر. في كل بلد، هناك أولئك الذين يجدون تهديدًا من المعتقدات الدينية المختلفة، وفي كل ثقافة، ينبغي على محبي الحرية أنفسهم أن يسألوا عن مدى استعدادهم للتسامح تجاه حرية الآخرين.
هذا هو ما رأيناه يجري على قدم وساق خلال الأسبوعين الأخيرين، بسبب شريط فيديو فجّ ومثير للاشمئزاز أثار الغضب في جميع أنحاء العالم الإسلامي. والآن لقد أوضحت تمامًا أن حكومة الولايات المتحدة لا علاقة لها على الإطلاق بهذا الفيديو، وأعتقد أنه ينبغي على جميع الذين يحترمون إنسانيتنا المشتركة رفض رسالته.
إنه فيلم مهين ليس للمسلمين فحسب، إنما لأميركا أيضًا - لأنه كما توضحه هذه المدينة خارج هذه الجدران، نحن بلد يرحب بالناس من كل عرق ومن كل دين. نحن نشكل موطنًا للمسلمين الذين يمارسون عباداتهم عبر أرجاء بلدنا. نحن لا نحترم حرية الدين فحسب – إنما أيضًا لدينا قوانين تحمي الأفراد من التعرض للأذى بسبب مظهرهم أو بسبب ما يؤمنون به. إننا ندرك السبب الذي جعل الناس يشعرون بالإساءة من هذا الفيديو لأن الملايين من مواطنينا من بينهم.
إنني أعرف أن هناك بعض الذين يتساءلون لماذا لا يمكننا مجرد حظر عرض هذا الفيديو. الجواب على ذلك مكرس في قوانيننا: دستورنا يحمي الحق في ممارسة حرية التعبير.
هنا في الولايات المتحدة، هناك منشورات لا تعد ولا تحصى مثيرة للإساءة. وأنا مسيحي مثل غالبية الأميركيين، ومع ذلك، فإننا لا نحرم التجديف ضد أقدس معتقداتنا. وكرئيس لهذا البلد، وكقائد أعلى للقوات المسلحة، أقبل أن يقوم الناس بوصفي بأقبح التسميات في كل يوم (ضحك)- وسوف أدافع دائمًا عن حقهم في القيام بذلك. [تصفيق].
لقد حارب الأميركيون وضحوا بحياتهم في جميع أنحاء العالم لحماية حق جميع الناس في التعبير عن آرائهم، وحتى الآراء التي يختلفون بعمق حولها. لا نفعل ذلك لأننا ندعم خطاب الكراهية، بل لأن آباءنا المؤسسين أدركوا أنه من دون مثل هذه الحمايات، من الممكن تهديد قدرة كل فرد في التعبير عن آرائه الخاصة، وممارسة شعائره الدينية. نفعل ذلك لأنه في مجتمع متنوع، يمكن لجهود تبذل لتقييد حرية الكلام أن تتحول بسرعة إلى أداة لإسكات النقاد، واضطهاد الأقليات.
إننا نفعل ذلك لأنه نظرًا لقوة الإيمان في حياتنا، والمشاعر التي يمكن أن تثيرها الاختلافات الدينية، فإن السلاح الأقوى ضد خطاب الكراهية ليس بالكبت، إنما بالإكثار من التعبير – التعبير بأصوات التسامح التي تحشد صفوفها ضد التعصب والتكفير، وتُعلي قيم التفاهم والاحترام المتبادل.
والآن أدرك أنه ليس كل البلدان الممثلة في هذه الهيئة تتشارك في هذا المفهوم الخاص حول حماية حرية التعبير. إننا ندرك ذلك. ولكن في العام 2012، في وقت يستطيع فيه أي إنسان لديه هاتف محمول أن ينشر وجهات نظر عدائية حول العالم بنقرة زر واحدة، أصبحت فكرة أن بإمكاننا مراقبة تدفق المعلومات فكرة عفا عليها الزمن. والسؤال هنا، هو إذن، كيف يجب أن تكون ردة فعلنا على ذلك؟
حول هذا يتعين علينا الاتفاق: ليس هناك أي كلام يبرر العنف الغاشم (تصفيق). ليست هناك كلمات تبرر قتل الأبرياء. ليس هناك فيلم فيديو يبرر الهجوم على سفارة. وليس هناك افتراء يوفر ذريعة للناس لكي يحرقوا مطعمًا في لبنان، أو تدمير مدرسة في تونس، أو التسبب في الموت والدمار في باكستان.
في هذا العالم الحديث ومع وجود التقنيات الحديثة، فإن الرد بالنسبة لنا وفق تلك الطريقة على خطاب الكراهية سوف يمكّن أي شخص منخرط في مثل هذا الخطاب من خلق حالة من الفوضى في جميع أنحاء العالم، إننا نعطي قوة لأسوأ الناس بيننا إذا كانت هذه هي الطريقة التي سوف نرد بها.
وعلى نطاق أوسع، تخبرنا الأحداث الحاصلة خلال الأسبوعين الماضيين أيضًا عن ضرورة أن نقوم جميعًا بمعالجة التوترات بين الغرب والعالم العربي الذي يتحرك قُدمًا نحو الديمقراطية معالجة مخلصة.
والآن، اسمحوا لي بأن أكون واضحًا: تمامًا كما أنه لا يمكننا حل كل مشكلة في العالم، فلم ولن تسعى الولايات المتحدة إلى فرض نتائج عمليات التحول الديمقراطي في الخارج. ونحن لا نتوقع أن تتفق معنا الدول الأخرى حول كل مسألة، كما أننا لا نفترض أن العنف الذي حصل في الأسابيع الماضية، أو خطاب الكراهية الذي نطق به بعض الأفراد يمثل وجهات نظر الغالبية الساحقة من المسلمين، وبالمثل لا تمثل آراء الناس الذين أنتجوا هذا الفيديو آراء الأميركيين. ومع ذلك، أعتقد بالفعل أن من واجب جميع القادة في جميع البلدان أن يشجبوا علنًا وبشدة العنف والتطرف. (تصفيق)
قد حان الوقت لتهميش أولئك الذين يستخدمون كراهية أميركا، أو الغرب، أو إسرائيل، بمثابة مبدأ تنظيمي أساسي للسياسة- حتى عندما لا يلجأون مباشرة إلى العنف. لأن ذلك لا يفعل سوى أنه يمنح غطاءً، ويقدم في بعض الأحيان ذريعة لأولئك الذين يلجأون إلى العنف.
هذا النمط في السياسة – نمط يحرض الشرق ضد الغرب، والجنوب ضد الشمال، والمسلمين ضد المسيحيين، والهندوس، واليهود - لا يستطيع أن يحقق وعد الحرية. إنه لا يقدم للشباب إلا الأمل الكاذب. إن حرق العلم الأميركي لن يفعل شيئًا من أجل توفير التعليم لطفل ما. والتدمير الكامل لمطعم لا يملأ معدة فارغة. ومهاجمة سفارة لن يخلق وظيفة واحدة. هذا النمط من السياسات يجعل فقط من الصعوبة بمكان تحقيق ما يجب علينا القيام به معًا وهو: تعليم أطفالنا، وإيجاد الفرص التي يستحقونها، وحماية حقوق الإنسان، وتوسيع نطاق وعد الديمقراطية.
وليكن مفهومًا أن أميركا لن تنسحب أبدًا من العالم. سوف نقدم للعدالة أولئك الذين يلحقون الأذى بمواطنينا وأصدقائنا، وسوف نقف بثبات مع حلفائنا. وإننا على استعداد للدخول في شراكة مع البلدان حول العالم لتعميق الروابط التجارية والاستثمارية، وفي مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والطاقة والتنمية – جميع الجهود التي يمكن أن تشعل فتيل النمو الاقتصادي لجميع الشعوب وتؤمّن الاستقرار للتغيير الديمقراطي.
ولكن هذه الجهود تعتمد على روح المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل. ولن تكون أية حكومة، أو شركة، أو مدرسة، أو منظمة غير حكومية واثقة من العمل في بلد يتعرض شعبه للخطر. ولكي تكون الشراكات فعالة يجب أن يكون مواطنونا آمنين وأن يتم الترحيب بجهودنا.
إن السياسة التي لا ترتكز سوى على الغضب – المبنية على أساس تقسيم العالم بين "نحن" و "هم" – لا تعيد إلى الوراء التعاون الدولي وحسب، إنما هي أيضًا تقضي في نهاية المطاف على أولئك الذين يتسامحون تجاهها. لدينا جميعًا مصلحة في التصدي لهذه القوى.
دعونا نتذكر أن المسلمين هم أكثر من عانى على يد التطرف. ففي اليوم نفسه الذي قُتل فيه مدنيونا في بنغازي، جرى اغتيال ضابط شرطة تركي في إسطنبول قبل أيام قليلة من زفافه، وقتل أكثر من 10 يمنيين في حادث تفجير سيارة مفخخة في صنعاء، وكان العديد من الآباء ينتحبون على أطفالهم الأفغان بعد مقتلهم على يد مهاجم انتحاري في كابول.
إن الاندفاع تجاه عدم التسامح والتعصب والعنف قد يكون مركّزًا في البداية على الغرب، ولكن مع مرور الوقت لن يصبح من الممكن احتواؤه. إذ يتم استخدام الاندفاع نفسه تجاه التطرف لتبرير الحرب بين السنة والشيعة، وبين القبائل والعشائر. إن ذلك لا يقود إلى القوة ولا إلى الازدهار إنما إلى الفوضى. ففي أقل من عامين، شهدنا احتجاجات أغلبها سلمية حققت التغيير في بلدان ذات أغلبية مسلمة أكثر مما حققه عقد من العنف. ويدرك المتطرفون ذلك لأنهم لا يملكون أي شيء يقدمونه من أجل تحسين حياة الناس، فالعنف هو الطريق الوحيد للمحافظة على أهميتهم. إنهم لا يبنون، إنهم يدمرون فقط.
لقد حان الوقت للتخلي عن الدعوة إلى العنف وسياسات التفرقة. وفي كثير من القضايا المتعددة، إننا نواجه خيارًا بين وعد المستقبل، أو سجون الماضي. وإننا لا نقوى على تحمل ارتكاب الخطأ فيها. علينا اغتنام هذه اللحظة. وأميركا تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع جميع الذين هم على استعداد لاحتضان مستقبل أفضل.
ينبغي ألا يكون المستقبل ملكًا لأولئك الذين يستهدفون المسيحيين الأقباط في مصر - يجب أن يطالب بهذا المستقبل أولئك الذين هتفوا في ميدان التحرير، "مسلم ومسيحي، إيد واحدة." ينبغي ألا يعود المستقبل إلى أولئك الذين يتحرشون بالنساء - يجب أن تتم صياغته على يد الفتيات اللاتي يلتحقن بالمدارس والذين يناصرون وجود عالم تستطيع فيه بناتنا تحقيق أحلامهن تمامًا كأبنائنا. (تصفيق)
يجب ألا يكون المستقبل ملكًا لتلك الشرذمة الصغيرة من الفاسدين الذين يسرقون موارد أي بلد – إنما يجب أن يظفر به الطلاب، ورواد الأعمال، والعمال، وأصحاب شركات الأعمال التجارية الذين يسعون في سبيل تحقيق الازدهار للجميع. هؤلاء هم الرجال والنساء الذين تقف أميركا إلى جانبهم، ورؤيتهم هذه هي الرؤية التي سندعمها.
يجب ألا يكون المستقبل ملكًا لأولئك الذين تطاولوا على نبي الإسلام. ولكن لكي يكونوا جديرين بالثقة، يتوجب على الذين يستنكرون ذلك الافتراء أن يُدينوا أيضًا الكراهية التي نراها في صور يسوع المسيح التي دُنّست، أو الكنائس التي دمرت، أو المحرقة التي ينكرون حصولها. (تصفيق)
دعونا ندين التحريض ضد المسلمين الصوفيين وزوار العتبات المقدسة من الشيعة. لقد حان الوقت لاحترام كلمات غاندي: "التعصب هو في حد ذاته شكل من أشكال العنف وعقبة أمام نمو روح الديمقراطية الحقة". (تصفيق). وسوية ينبغي علينا أن نعمل من أجل إيجاد عالم تكون فيه اختلافاتنا مصدر قوة لنا، وليست أداة تحديد من نحن. هذا هو ما تجسده أميركا، وهذه هي الرؤية التي سوف ندعمها.
وبين الإسرائيليين والفلسطينيين ينبغي ألا يعود المستقبل لأولئك الذين يديرون ظهورهم لاحتمالات إحلال السلام. دعونا نترك خلفنا أولئك الذين ينتعشون على النزاعات، أولئك الذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود. الطريق صعب وعسير، ولكن المصير واضح – دولة يهودية آمنة ودولة فلسطينية مستقلة ومزدهرة. (تصفيق) نظرًا لإدراكها أن مثل هذا السلام يجب أن ينشأ من خلال اتفاق عادل بين الطرفين، فإن أميركا سوف تسير بجانب من هم على استعداد للقيام بتلك الرحلة.
وفي سوريا، يجب أن لا يكون المستقبل ملكًا لديكتاتور يرتكب المجازر بحق شعبه. فإذا كان هناك سبب يدعو للاحتجاج بصوت عالٍ في العالم اليوم، للاحتجاج السلمي، فإنه قضية هذا النظام الذي يعذب الأطفال ويطلق الصواريخ على المباني السكنية. ويجب علينا أن نبقى فاعلين لتأمين ما بدأ بمواطنين يطالبون بحقوقهم لن ينتهي بدوامة من العنف الطائفي.
ومعًا، يجب أن نقف مع أولئك السوريين الذين يؤمنون برؤية مختلفة - سوريا موحدة تحتضن الجميع، حيث لا يحتاج الأطفال إلى الخوف من حكومتهم، وحيث يكون لجميع السوريين رأي في الكيفية التي يُحكمون بها – السنة، والعلويين، والأكراد، والمسيحيين. هذا ما تمثله أميركا. هذه هي النتيجة التي سوف نعمل من أجلها- مع العقوبات والعواقب التي تترتب على أولئك الذين يضطهدون شعوبهم، ومع المساعدة والدعم لأولئك الذين يعملون للصالح العام. لأننا نعتقد أن السوريين الذين يتبنون هذه الرؤية سوف تكون لهم السلطة والشرعية لتولي زمام القيادة في البلاد.
وفي إيران، إننا نرى إلى أين يؤدي مسار العنف ومبدأ الإفلات من المساءلة. إن الشعب الإيراني له تاريخ رائع وعريق، والعديد من الإيرانيين يرغبون في التمتع بالسلام والازدهار جنبًا إلى جنب مع جيرانهم. ولكن بينما تقيّد الحكومة الإيرانية حقوق شعبها، تواصل تلك الحكومة دعم الديكتاتور في دمشق، وتدعم الجماعات الإرهابية في الخارج. ومرة تلو الأخرى، فشلت الحكومة في انتهاز الفرصة لإظهار أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، وفي الوفاء بالتزاماتها تجاه الأمم المتحدة.
اسمحوا لي بأن أكون واضحًا. إن أميركا ترغب في حل هذه القضية بالوسائل الدبلوماسية، ونحن نعتقد أنه لا يزال هناك متسع من الوقت ومجال للقيام بذلك. ولكن هذا الوقت ليس بلا حدود. نحن نحترم حق الدول في الحصول على الطاقة النووية السلمية، ولكن من بين أهداف الأمم المتحدة رؤية أننا نُسخّر تلك الطاقة من أجل السلام. ولا تظنوا أن إيران المسلحة نوويًا ستكون تحديًا يمكن احتواؤه، إنها سوف تهدد بالقضاء على إسرائيل، وتهدد أمن دول الخليج، واستقرار الاقتصاد العالمي. وستغامر بإثارة سباق تسلح نووي في المنطقة، وانهيار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. هذا هو السبب في قيام ائتلاف من الدول يُخضع الحكومة الإيرانية للمساءلة. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة سوف تفعل كل ما بوسعها لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
نحن نعرف من تجاربنا المؤلمة أن الطريق إلى الأمن والرخاء لا تكمن خارج حدود القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان. هذا هو السبب الذي نشأت من أجله هذه المؤسسة من تحت أنقاض النزاعات. وهذا هو سبب انتصار الحرية على الطغيان في الحرب الباردة. وهذا هو الدرس المستفاد من العقدين الماضيين أيضًا.
يُبين لنا التاريخ أن السلام والتقدم لا يتحققان إلا لأولئك الذين يتخذون الخيارات الصحيحة. فقد مرت الدول في جميع أجزاء العالم بهذا الطريق الصعب. أوروبا التي كانت ساحة لأكثر المعارك دموية في القرن العشرين، أصبحت موحدة، وحرة، وتعيش في سلام. من البرازيل إلى جنوب أفريقيا، ومن تركيا إلى كوريا الجنوبية، ومن الهند إلى إندونيسيا، قامت الشعوب من مختلف الأعراق والأديان والتقاليد بانتشال الملايين من هوة الفقر، بالترافق مع احترام حقوق المواطنين والوفاء بمسؤولياتها كدول.
وبسبب التقدم الذي شهدته خلال حياتي، والتقدم الذي شهدته خلال أربع سنوات تقريبًا كرئيس، لا يزال يحدوني الأمل بالنسبة للعالم الذي نعيش فيه. فالحرب في العراق قد وضعت أوزارها . وعادت القوات الأميركية إلى أرض الوطن. لقد بدأنا مرحلة انتقالية في أفغانستان، وسوف تنهي أميركا وحلفاؤنا حربنا في الموعد المحدد في العام 2014. وقد ضعف تنظيم القاعدة، ولم يعد أسامة بن لادن على قيد الحياة. واتحدت الدول معًا لتأمين سلامة المواد النووية، وأميركا وروسيا يخفضان ترسانتيهما. وقد شهدنا اتخاذ خيارات صعبة - من نايبيداو إلى القاهرة إلى أبيدجان - لوضع المزيد من السلطة في أيدي المواطنين.
وفي هذا الوقت من التحدي الاقتصادي، اجتمع العالم لتوسيع نطاق الازدهار. من خلال مجموعة الدول العشرين، أنشأنا شراكة مع البلدان الصاعدة للمحافظة على سير العالم في طريق الانتعاش الاقتصادي. واصلت أميركا أجندة التنمية التي سوف تغذي النمو وتكسر حلقة الاتكالية، وعمِلت مع الزعماء الأفارقة لأجل مساعدتهم في إطعام شعوبهم. وقد أُنشئت شراكات جديدة لمكافحة الفساد وتعزيز الحكومات المنفتحة والشفافة، وبُذلت التزامات جديدة من خلال الشراكة المستقبلية لضمان تمكين النساء والفتيات من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والسعي من أجل إيجاد الفرص. وفي وقت لاحق من هذا اليوم، سوف أناقش جهودنا لمكافحة آفة الاتجار بالبشر.
جميع هذه الأشياء تمنحني الأمل. ولكن ما يجعلني أكثر تفاؤلا ليس أعمالنا نحن، ليست تصرفات القادة - إنما الشعوب التي رأيتها. أفراد القوات الأميركية الذين خاطروا بحياتهم وضحوا بأطرافهم من أجل غرباء في النصف الآخر البعيد من العالم، والطلاب في جاكرتا أو سيول التواقون لاستخدام معارفهم لفائدة البشرية، والوجوه في ساحة في براغ أو في برلمان غانا الذين يرون الديمقراطية في إعطاء أصواتهم لأجل طموحاتهم، والشباب في أحياء ريو الفقيرة، وفي مدارس مومباي الذين تلمع عيونهم بالوعد القادم. هؤلاء الرجال والنساء والأطفال ومن كل عرق ومعتقد يذكرونني بأن مقابل كل غاضب تُعرض صورته على شاشة التلفزيون، هناك البلايين في مختلف أنحاء العالم لديهم آمال مشتركة وأحلام متشابهة. وهم يخبروننا بأن هناك نبضات قلوب إنسانية مشتركة.
يتحول الكثير من الاهتمام في عالمنا إلى ما يفرقنا. وهذا ما نراه في نشرات الأخبار. وهذا ما يستهلك مناقشاتنا السياسية. ولكن عندما نجرد كل ذلك، نرى الناس في كل مكان يتوقون للحرية من أجل تقرير مصيرهم وكرامتهم، تلك الكرامة التي تأتي من العمل، والراحة التي تأتي من الإيمان، والعدالة التي تتواجد عندما تقوم الحكومات بخدمة شعوبها - وليس العكس.
وستقف الولايات المتحدة الأميركية دائمًا إلى جانب هذه الطموحات، وإلى جانب شعبنا نفسه، وإلى جانب الشعوب في جميع أنحاء العالم. كان هذا هو الغرض من تأسيس بلدنا. وهذا ما يُظهره تاريخنا. وهذا ما عمل في سبيله كريس ستيفنز طوال حياته.
واليوم أتعهد لكم بهذا: بعد فترة طويلة من جلب هؤلاء القتلة إلى العدالة، سوف يبقى تراث كريس ستيفنز حيًّا في حياة الناس التي لامسها - في عشرات الآلاف الذين ساروا ضد العنف في شوارع بنغازي، وفي الليبيين الذين وضعوا على صفحاتهم على موقع فيسبوك صورة كريس بدلا من صورهم، وفي لافتات كتب عليها، ببساطة، "كريس ستيفنز كان صديقا لجميع الليبيين".
ينبغي أن يعطينا هؤلاء الأمل. ينبغي أن يذكرونا بأنه طالما نعمل من أجل العدالة، فإن العدالة سوف تأخذ مجراها، وبأن التاريخ يعمل لصالحنا، وبأن الموجة المتصاعدة من الحرية لن تعكس مسارها أبدًا.
وشكرًا جزيلا لكم. (تصفيق)
النهاية الساعة 10:16 صباحًا حسب توقيت شرق الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق